يمكنك أن تقول إنه أسوأ أخطاء الترجمة، وإن شئت فقل هو الخطأ الذي تسبب في أبضع قصف في تاريخ الحروب البشرية، وتسبب في مقتل أكثر من 170 ألف إنسان جراء إلقاء أمريكا للقنبلة النووية على اليابان عام 1945، ولا تزال اليابان تعاني من آثاره حتى اليوم.
فقد تبين لبعض اللغويين، حسب تقرير اعده موقع “سلايت” الفرنسي أن الولايات المتحدة الأمريكية أساءت فهم كلمة «موكوساتسو» التي ردت بها حكومة اليابان على الانذار الأمريكي بضرورة الاستسلام بلا شروط ابان الحرب العالمية الثانية، وأن “إساءة” ترجمة هذه الكلمة أدت الى اتخاذ واشنطن قرارا بضرب اليابان بالقنبلة النووية في العام 1945، وتحديدا ناجازاكي وهيروشيما ما أسفر الى نهاية مأسوية للحرب العالمية الثانية.
وكالة الأمن القومي الأمريكية كشفت بدورها عن وثائق ذلك الخطأ القاتل في الترجمة من الإنجليزية إلى اليابانية، ففي يوليو من عام 1945 في اجتماع دول الحلفاء تم الإعلان عن بيان ينص على استسلام اليابان غير المشروط، وينص أيضًا على أن أي رد فعل سلبي من اليابان سوف يجلب الدمار لها، ثم تُرجم هذا البيان إلى اللغة اليابانية، وانتظر الحلفاء رد رئيس الوزراء الياباني “كانتارو سوزوكي”.
وحين سأل الصحفيون رئيس الوزراء عن قراره على الاستسلام غير المشروط أجاب بكلمة واحدة فقط: “لا تعليق” واستخدم حينها المصطلح الياباني “موكوساتسو”، وهي التي كانت سببا في الهجوم النووي الأمريكي على “هيروشيما”، فتلك الكلمة لها مقابلات عدة في الإنجليزية منها “الرفض” أو “التجاهل”، إلا أن وكالات الأنباء اليابانية اختارت المعني السلبي للكلمة وهو الرفض والتجاهل، وترجمها البعض بأنه “لا يستحق التعليق”، بينما المقابل الأدق للكلمة هو “No Comment” أي لا تعليق.
وذكر تقرير “سلايت” ان ترجمة الأمريكيين للرد الياباني على الطلب الأمريكي انذاك باستسلام اليابان في يوليو 1945 كانت ترجمة أساءت فهم المعنى الحقيقي لما أراد أن يقوله اليابانيون للأمريكيين، وان “هذه الترجمة الخطأ غيرت مجرى الحرب العالمية الثانية”. وهو الأمر الذي دفع بالأمريكيين بإلقاء قنبلتين ذريتين على المدينتين اليابانيتين.
وحسب “سلايت” فقد “كانت نية الحكومة اليابانية ان تأخذ مهلة لكي لا ينقلب عليها الجيش، وكان تم احباط عملية انقلاب ليلة رد الحكومة على الانذار الأمريكي”.
هذا الكارثي وغيره يؤكد أن عملية الترجمة تحتاج إلى الدقة والجودة والاحترافية، كما تحتاج إلى مراجعة من عدة مستويات للوصول إلى المعنى الصحيح الذي تحدث به المتكلم أو المؤلف، فليست الترجمة مجرد نقل كلمات من لغة إلى أخرى فحسب، بل لا بد للمترجم من فهم المعاني والسياق الذي جاءت فيه الجملة وموقع استخدامها، كما لا بد أن تمر عملية الترجمة على مراجعة من مترجم أكثر خبرة ثم مراجعة نهائية لتلافي مثل هذه الأخطاء.