سمعتُ د. محمد أبو ليلة، أستاذ الدراسات الإسلامية في كلية اللغات والترجمة- جامعة الأزهر، ينصح منذ سنوات باستخدام كلمة أخرى غير Terrorize في ترجمة قول الله تعالى: “تُرهِبون به عدو الله وعدوكم”؛ تجنبًا للوقوع في فخ الصورة النمطية Stereotype التي سيطرت على الرأي العام الدولي بعد هجمات 11 سبتمبر: فإذا كانت كلمة إرهاب Terrorism تثير هذا القدر من الاستهجان على مستوى العالم، فنحن في غنى عن تحميل اللفظ القرآني “تُرهِبون” دلالةً سيئة عند المتلقين الأجانب.
هذا المثال تحديدًا يعتبره د. حسن وجيه- وهو خبير في المفاوضات الدولية وسبق أن درَّس لكاتب التدوينة في قسم الترجمة الفورية- نموذجًا خطيرًا للأخطاء الموجودة في التراجم المعاصرة للنص القرآني؛ لأنه عجز عن إدراك الفارق بين: (1) الدلالات بالغة السوء لـ فعل الإرهاب Act of terrorism في اللغة والثقافة الغربية (2) ومفهوم قيمة المعنى Semantic value المطلوب لتوضيح المراد في الآية الكريمة.
وفي دراسته المستقبلية من منظور لغويات التفاوض بعنوان “العقل العربي والعقل الأمريكي.. إلى أين؟ معضلات التواصل والسياسة) يقترح د. وجيه بدائل أخرى مثل: To deter ، To ward off the aggressor لأنها تتماشى مع المعنى السياقيّ لمفهوم الإرهاب في الآية والذي يتعلق بأهمية إظهار قوة الردع، وإلزام العدو بالاحترام الكامل (والحديث عن البدائل طويل، يمكن إفراده بمنشور آخر لعيون المتخصصين).
قد يرى غير المتخصص في مثل هذه النقاشات ترفًا فكريًا لا طائل من ورائه، لكن ما ينبغي إدراكه أن لكل تخصص حراس إذا غفلوا لحظة عن الثغور التي هم موكلون بحفظها سقطت قلاع وهدمت حصون وخربت ديار.
ومن مثل هذه الثغرات دخل الألماني المتطرف جيرت فيلدرز، الذي استهل فيلم “فتنة” الذي أنتجه عام 2008 بهذه الآية تحديدًا من سورة الأنفال، وأرفق بها مشاهد من الهجمات التي وقعت في الغرب (يقول الخبيث: هم إرهابيون بدليل قرآنهم).
لا أحد يطالب غير المتخصص بأن يُصَدِّع رأسه بالتدقيق في كل حرفٍ وكلمة والتفتيش خلف كل مصدر والتدقيق في كل إحصائية، لكن حين نجد المتخصص يقوم بعمله فلا أقل من عدم تكسير مجاديفه، لأنه لو لم يقم بحق العلم الذي يحمله وتبنّى الاستسهال منهجيةً؛ ستتسع الثغور لتصبح بوابات قد يدخل منها عدونا إلى عقر دارنا.
بالغ تقديري وخالص مودتي إلى حراس الثغور؛ حياكم الله، رحمكم الله، آواكم الله، نصركم الله، رفعكم الله، هداكم الله، رزقكم الله، وفقكم الله، سلمكم الله، تقبلكم الله.